20 ديسمبر 2025 - 18:52
الخروج المستحيل: كيف صار يهود العراق قلق "إسرائيل" الأبدي؟

يكشف النص كيف انتقل اليهود العراقيون من حياة طبيعية في بغداد إلى واقعٍ قاسٍ في "إسرائيل"، حيث واجهوا الفرهود ثم التهميش والاندماج القسري داخل مجتمع أشكنازي احتقر لغتهم وثقافتهم.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ في كتابه "ثلاث عوالم؛ مذكرات يهودي عربي"[1]، يقص آفي شلايم حادثة وقعت له خلال طفولته. يقول شلايم: "في أحد أيام الصيف الحارة وبينما كنت أتسكع مع أصدقاء الحي في بلدة رمات جان شرق تل أبيب، خرج أبي من المنزل ونادى إلي يحدثني بالعربية". يصف شلايم حالة الخجل التي اعترته أمام أصدقائه. يقول: "شعرت بالخجل وتحولت وجنتي إلى اللون الأحمر. كانت الإجابة على أسئلة والدي مشوشة، وأحادية المقطع، بالكاد مسموعة. ما أردت قولة له – ولم أستطع - هو أنه "في حين قد يبدو الحديث باللغة العربية جيداً في المنزل، إلا أن الأمر ليس على هذا النحو أمام الأصدقاء".

يقول شلايم: "لقد أسس إسرائيل جمع من يهود أوروبا، وتفاخروا بكونها جزءاً من الغرب و"العالم الحر". كنت أنا من دولة عربية كانت لا تزال رسمياً في حالة حرب مع "إسرائيل". وكان اليهود الأوروبيون يميلون إلى النظر إلينا باعتبارنا أقل شأناً منهم اجتماعياً وثقافياً. كانوا يحتقرون اللغة العربية وينظرون لها كلغة قبيحة وبدائية. وكصبي صغير سريع التأثر، التقطت واستوعبت التحيزات تلك في بيئتي الجديدة. لقد أردت أن أدير ظهري لتراثي العربي، ولثقافة الشتات وعاداته، وأن أتحول إلى "إسرائيلي جديد" ناطق بالعبرية. لم يكن الحديث باللغة العربية متوافقاً مع هويتي الجديدة التي أردت تبنيها. وتلك الحادثة البسيطة لخصت كماً مذهلاً من الاضطراب العاطفي الذي ابتليت به (ومعه كثير من اليهود العرب) طوال طفولتي في إسرائيل".

يصف شلايم في كتابه طبيعة العلاقة المضطربة بمجتمعه الجديد. كانت عقدة النقص هي الحاكم في تلك العلاقة. "كنت فتى عراقياً في أرض الأوروبيين (...) لم أصدق أن لدي أي قدرات أو مواهب خاصة لا يعترف المجتمع بها. والأصعب، أني افتقرت تماماً إلى الإحساس الشديد بالظلم الذي قد يدفع بعض الأطفال المهمشين إلى إثبات أنفسهم".

يراجع شلايم تاريخ اليهود المنسي في العراق، ويقول إنه كان هناك تقليد من التسامح الديني وتاريخ طويل من الانسجام بين مختلف شرائح المجتمع. في العراق لم يكن اليهود وافدين جدد ولا أجانب. ومن المؤكد أنهم لم يكونوا متسللين. يعيد شلايم ارتباط اليهود ببابل إلى زمن نبي الله إبراهيم الذي هاجر من أور إلى أرض كنعان. ويصر على أن اليهود عاشوا في بابل منذ عام 586 قبل الميلاد، عندما دمر الملك نبوخذ نصر مملكتهم وطردهم منها إلى المنفى[2]، إلا أنه وبعد عدة قرون، تمكن اليهود من جعل بابل المركز الروحي لليهود في الشتات ومقر الأكاديميات الدينية الأكثر تميزاً، وهي نيهارديا وسورا وبومبيديتا (الفلوجة). وهناك، تم جمع التلمود البابلي، وتم تدوين قانون الهالاخا اليهودي. 

يروي شلايم الظروف التي أسهمت في خروج اليهود من العراق (فترة أحداث الفرهود سنة 1941) بدءاً من أواخر أيلول/ سبتمبر 1939، أي بعد يومين فقط من دخول القوات البريطانية وفرار رشيد علي الكيلاني والحاج أمين الحسيني إلى إيران ومنها إلى أوروبا. وبعدما صار يُنظر لليهود كأصدقاء للبريطانيين.[3] 

عموماً، وإلى اليوم، لا تزال قضية "الفرهود" وخروج اليهود من العراق، واحدة من أكثر القضايا التباساً في تاريخنا السياسي المعاصر. في كتابه "بغداد أمس"، يقدم الباحث الإسرائيلي، ساسون سوميخ، مقاربته اليسارية الخاصة بالموضوع. يقول: "لقد انهار النظام القصير الأمد المحابي للنازية بعيد عام 1939، وفر قادته ليجد الكثير منهم ملاذاً خارج العراق. في حين تلكأ الجيش الإنكليزي وولي العرش العراقي في فرض سيطرتهم على العاصمة العراقية من جديد. في تلك الأيام التي خلت فيها المدينة من سيطرة النظام والقانون، عاثت جماهير المشاغبين فساداً وفوضى، وكان معظمهم من أبناء القبائل البدوية الذين توطنوا في ضواحي بغداد، فنهبوا وقتلوا بدون تمييز كل من طالعهم في الأحياء اليهودية، خاصة الأحياء القديمة والفقيرة، وقد انضم إلى المشاغبين بعض الجنود الفقراء، بعد أن تشتت وحداتهم وتفرق شملها. ومن حسن الحظ أن المشاغبين لم يصلوا إلى معظم الأحياء الجديدة التي شيدت في الثالثينات والأربعينات وسكن فيها عشرات الآلاف من يهود المدينة".[4]

يشير سوميخ إلى العواقب النفسية والاجتماعية للفرهود على يهود العراق بما يلي: "حلت على جميع أبناء جالية بغداد صدمة عنيفة، بمن فيهم أولئك الذين لم ينلهم الأذى خلال فواجع "الفرهود" وويلاته، وقد دهمتهم الأحداث وباتوا مفجوعين مشدوهين. ترى كيف حدث أن انقلب جيران الأمس إلى وحوش ضارية؟ وهل الفرهود سيبقى حدثاً طارئاً ولن يتكرر أبداً؟ أم أنه سيكون فاتحة لعصر جديد مثير للمتاعب في العلاقات بين المسلمين واليهود في بالد الرافدين؟ ثم يواصل فيكتب: "لكن تجدر الإشارة أن كثيراً من المسلمين القاطنين في جوار اليهود في المناطق القديمة من بغداد كانوا قد دافعوا عن اليهود، ولم يترددوا في منحهم الحماية والملاذ برغم المخاطر التي تعرضوا لها من جرّاء ذلك".[5]

بحسب إيلا شوحيط، وهي مفكّرة وأكاديمية يهودية عراقية–أميركية، "لن يُحل لغز هجرة اليهود من العراق ما دُمنا عاجزين عن الإجابة على جملة أسئلة منها: هل أخرج الصهاينة يهود العراق بشكل متعمد نظراً لحاجة "إسرائيل" في حينه (كانت كياناً غض الولادة) إلى كتلة بشرية استيطانية؟[6] أم هل كان خروج اليهود من بغداد واحداً من نتائج استعار الخطاب القومي الكاره لليهود؟ ثم ما صلة هذا الخروج بالسياسات البريطانية؟".

برأيها، قدم الخطاب القومي في المنطقة العربية هجرة اليهود كمؤشر على الخيانة اليهودية. أما الخطاب الإسرائيلي فقام على وضع الهجرة في سياق العداء للسامية.[7] وحديثاً، بدأ ربط قضية "النازحين اليهود من البلدان العربية والإسلامية" بالتهجير الجماعي للفلسطينيين عام 1948، كفعل مماثل أو كجزء من سردية "التبادل السكاني". الربط، في هذا السياق، ينحو إلى التخفيف من المسؤولية الإسرائيلية عن التهجير الجماعي للفلسطينيين. وبعض أوجه هذا الخطاب يضمر افتراضاً بأن المسلمين كانوا على الدوام مضطهِدين لليهود، في سياق التاريخ الإبادي لليهود. وفي واحدة من أكثر صوره انحيازاً، يدمج هذا الخطاب المسألة العربية - اليهودية بالهولوكوست، ومثال ذلك الحملة التي أطلقت لإدخال أحداث الفرهود ضمن برامج متحف المحرقة التذكاري في الولايات المتحدة.

الخروج المستحيل

يُعتبر كتاب أوريت باشكين، "الخروج المستحيل: اليهود العراقيون في إسرائيل - Impossible Exodus: Iraqi Jews in Israel"، أحد أبرز الكتب تمحيصاً لتجارب اليهود العراقيين في "إسرائيل". تلاحظ أوريت باشكين في كتابها، أن علاقة الوافدين الجدد من العراق بالنخبة السفاردية التي سبقتهم إلى فلسطين لم تكن على ما يُرام. وعلى الرغم من "المشرقية" المشتركة، والتصنيف المشترك باعتبارهم "آخرين" من قِبَل الأشكناز الحاكمين، إلا أن اليهود العراقيين ظلوا يستشعرون التمايز عن غيرهم من اليهود الشرقيين. 

كان الأطفال العراقيون وأمهاتهم مشغولون في الفترة الأولى في معرفة كيفية البقاء على قيد الحياة فترة الشتاء القاسية، بعد أن سكنوا في خيام تشبه إلى حد كبير تلك التي يسكنها اللاجئون الفلسطينيون. وفي الوقت الذي سعى فيه اليهود العراقيون في "إسرائيل" لأن لا يكونوا ضحايا، بل أشخاصاً ساعين إلى إيجاد طرق لبناء حياة أفضل لأنفسهم وأسرهم، كانت العلاقة بينهم وبين الدولة عكسية على الدوام.

ففي العراق، أرادتهم "إسرائيل" ولم يريدوها، وفي "إسرائيل" أرادوا أن يكونوا إسرائيليين ولم تتقبلهم "الدولة". "الخروج المستحيل" ظهر في سياسات الدولة وفي مخاوفها من الاختلاف مع هؤلاء الناطقين باللغة العربية/ لغة العدو، و"الخروج المستحيل" لم يكن في خروج هؤلاء من بغداد والبصرة، بل وفي خروجهم من معسكرات العبور (معبروت) سيئة السمعة، ومن عزلتهم التي تمنعهم من الاندماج لغوياً واجتماعياً في المجتمع الإسرائيلي المهيمن. تصف باشكين في كتابها صدى أصوات الأطفال العراقيين الذين غالباً ما يتم القبض عليهم بتهمة السرقة من حقول الأشكيناز لأنهم أصغر سناً من أن تصدق الشرطة أنهم عمال، والنساء المتعلمات المتعددات اللغات اللاتي افترضت الممرضات الأشكناز أنهن أميات وغير قادرات على القيام بدورهن في تربية أولادهن.

من هنا، لم يكن أمام هؤلاء غير المؤسسة الأمنية؛ المساحة الأخيرة لتقبل اختلافهم من قبل "دولة تحتاجهم لسبب واحد فقط"؛ شبههم بعدوها. لذا، ضمّن اليهود العراقيون في استراتيجياتهم للبقاء استخدام المعرفة باللغة والثقافة العربية للانضمام إلى أجهزة الأمن والاستخبارات، وبالتالي لإيجاد القبول في مجتمع مختلف عنهم كلية.

التحول الثقافي إلى العبرية

تأخر اندماج اليهود العراقيين في "إسرائيل" حتى منتصف الستينيات. وفي الحقيقة، قلة هم الكتاب العراقيون الذين نجحوا في التكيف مع اللغة العبرية. فلقد شعر غالب هؤلاء أن اللغة العبرية تملي عليهم تغييراً في مفاهيمهم وتفضيلاتهم الذوقية. كان شمعون بلاص (1930 - 2019) من أوائل أولئك الذين حاولوا الكتابة باللغة العبرية، وإن التزم بتفضيلات الثقافة الأصلية باعتباره "يهودياً عربياً". وكغيره من اليهود العراقيين، لم تكن حقيقة هجرته إلى "إسرائيل" عام 1951 مدفوعة بأي تفضيلات صهيونية. كما لم تكن "الثقافة الإسرائيلية" مصدر غنى ثقافته وقلمه، بل تجربته في المعبروت - معسكرات عبور المهاجرين – وأنشطته في الحزب الشيوعي هما اللذان أغنيا إنتاجه الأدبي.

لخصت روايته الأولى باللغة العبرية "مخيم المهاجرين العابرين" سنة 1964 (وكانت أول رواية عبرية يكتبها مهاجر عراقي) مأساة المهاجرين العرب من اليهود الذين اقتُلعوا من ديارهم وجيء بهم إلى "إسرائيل" فوقعوا في براثن الفقر والعوَز. الأخطر بالنسبة إلى بلاص، كان في الحرمان الثقافي للمهاجرين الجدد بعدما عملت "الدولة" على رفض أعز قيمهم الأخلاقية والثقافية. لقد أُلقي بهم في بيئة معادية، نظرت إلى ثقافتهم وتاريخهم بازدراء، وبالتالي أمسى هؤلاء ضحايا لعملية مُمأسسة هدفت إلى تكييفهم مع ثقافة اعتبرت اللغة والأدب والموسيقى العربية ثقافة أدنى، فضلاً عن كونها "سلاحاً للعدو". 

ظل بلاص ينظر إلى الصهيونية على أنها أيديولوجيا مندكة في المفهوم الاستعماري الأوروبي للشرق، الأمر الذي جعل موقف الصهيونية من اليهود العرب "لا يختلف عن الموقف من العرب عامة". بلاص أراد من خلال نشاطه الأدبي "إعادة تعريب إسرائيل" بأقلمة ذائقتها الأدبية وتحويلها إلى ذائقة عربية.

أما سامي ميخائيل،[8] فكانت كتاباته أكثر ميلاً لليسار والصهيونية، وبالرغم من ذلك، أحدثت روايته "شافيم فيشافيم يوتير" (متساوون ومتساوون أكثر) سنة 1974، انفجاراً ثقافياً أثار عاصفة من الاحتجاج، بعدما كشفت الرواية عن الموقف المهين الذي اتخذته "إسرائيل" تجاه المهاجرين "اليهود – العرب".

تبدأ الرواية سرد أحداثها من صبيحة الثاني من حزيران/ يونيو 1967، ومن مجنزرة يجلس فيها ديفيد بطل القصة مع أربعة محاربين، اثنان منهم أشكناز/ غربيون، ويمني و"شرقي مدجّن"، وهم في طريقهم إلى الجبهة المصرية للمشاركة في الحرب. يحرك ديفيد إبرة الراديو ويتنقل بين المحطات العربية التي تبث أناشيد عسكرية تحثّ على المواجهة، الأمر الذي يثير الغضب بين المجموعة فيُطالب ديفيد بإخراس الراديو. يتطور الجدل داخل المجنزرة ويستمر ديفيد، المليء بمشاعر الغضب، في إثارة الجدل واستفزاز الجنود. ومن هذا المشهد ينطلق سامي ميخائيل في سرد حكاية اليهود الشرقيين بلسان حال دايفيد هذا.

في الرواية تتكشف للقارئ تدريجياً حالة الغضب التي تعتري اليهود العراقيين على ضوء تجربة ديفيد الشخصية كيهودي شرقي. ديفيد يعيش مأساة عائلية منذ أن تركت عائلته العراق وانتقلت إلى "معبروت خيرية"[9] في "إسرائيل". ديفيد رجل طلّقته زوجته فور وصولها إلى "إسرائيل"، ومذاك صارت تعيش مع رجل تنتهي كنية عائلته بـ"تس" (في إشارة إلى أصوله الأشكنازية). يبدأ ديفيد باستذكار أبيه الأعمى، وأمه، ومصائر باقي أفراد عائلته، فيأخذنا سامي ميخائيل عبر مصائر أفراد العائلة إلى أكثر الزوايا ظلمة في حياة الشرقيين في المعبروت.[10]

في رواياته اللاحقة، واصل ميخائيل التعامل مع الأدب انطلاقاً من ثقافة الهوامش في "المجتمع الإسرائيلي". كانت روايته الأكثر مبيعاً "فيكتوريا" (1993)، وهي التي رسخت مكانة ميخائيل ككاتب معروف. سُميت الرواية على اسم بطلتها التي نجحت في التغلب على تحديات حياتها. تصف الرواية حياة اليهود العراقيين قبل وبعد هجرتهم. وقد زُعم أن اللهجة التي كتب بها ميخائيل هذه الرواية هي لهجة أقلية لم تجد مكاناً لها في النظام الجديد. 

قلق السياسة يدق الأبواب مرة أخرى

ثمة لحظتان سياسيتان مبكرتان عبرتا عن انفجار الوعي السياسي لليهود الشرقيين عامة، والعراقيين بنحو خاص. اللحظة الأولى، كانت انتفاضة وادي الصليب (وهو حي عشوائي في حيفا سكنه مهاجرون يهود من شمال إفريقيا). بعد إطلاق الشرطة الإسرائيلية النار على يعقوب ألكاريف في 9 تموز/ يوليو 1950. لتندلع من بعدها تظاهرات غاضبة سرعان ما تحولت إلى أعمال شغب واسعة النطاق استهدفت ضواحي الأشكناز الأكثر ثراءً في حيفا، ومقر حزب العمل الإسرائيلي.

ثم ما لبثت أن تحولت إلى انتفاضة غاضبة ضد الأشكيناز في مختلف مجتمعات المزراحيم (اليهود الشرقيون) في جميع أنحاء "إسرائيل". أما اللحظة الثانية فتمثلت بانفجار الموجة ثانية من التمرد من خلال حركة الفهود السود. لقد نظمت حركة الفهود السود احتجاجات جماهيرية ضد السياسات العنصرية التمييزية لـ"الدولة" بدءاً من عام 1971. ووفقاً لسامي شتريت (2000)، فإن الانتفاضة في وادي الصليب وحركة الفهود السود، كانتا اللحظتان الأكثر حساسية في ولادة مسألة السفاردية أولاً، ثم المسألة العراقية في الصهيونية. لقد كسرت هاتين اللحظتين سد الصمت، مما أطلق موجة لا رجعة فيها من تطرف الوعي السياسي المزراحي/ الشرقي، التي تبلورت سياسياً مع ولادة حركتي الخيام (1976 – 1981)،[11]  وشاس (1983). 

المفارقة أنه وبالرغم من صعود اليمين في "إسرائيل"، إلا أن شبح نبذ العراقيين ظل حاضراً في نظم خطاب "الدولة" وهوامشه. وفي سلوكيات السياسيين والمثقفين الإسرائيليين. وأخبار من مثل تلك التي نشرتها مرة "صنداي تايمز" سنة 1998، حول استخدام العراقيين اليهود في تجارب كيميائية كانت غالباً ما تثير قلق هؤلاء الهوياتي في "إسرائيل".[12]

ثمة ما هو كامن خلف الأكمة كما يُقال. ولعل في شهادة آفي شلايم عن حديثه مع والدته ما يختصر الكثير. يقول شلايم: "كانت والدتي التي توفيت عن عمر يناهز السادسة والتسعين في "إسرائيل"، عام 2021، كثيراً ما تتحدث عن أصدقائها المسلمات. كانوا من المقربات اللواتي يرتدن بيتها في بغداد على الدوام". ويتابع: "ذات يوم، وبعد أن كانت قد تجاوزت التسعين من عمرها، سألتها إن كان لديها أي من الصديقات الإسرائيليات الشبيهات بصديقاتها في بغداد، رمقتني بنظرة تشير ضمناً إلى أنني سألتها سؤالاً غريباً. ثم ردت بشكل قاطع: "لا، الصهيونية شيء أشكينازي. لم يكن له علاقة بنا [...] لقد كانت هجرتنا إلى صهيون ضرورة، وليست خياراً استراتيجياً".

يضيف شلايم: "عادة ما توصف الهجرة إلى "إسرائيل" بالـ"عالياه" أو "الصعود". في حالتنا كان الانتقال من العراق إلى "إسرائيل" نزولاً إلى أسفل السلم الاجتماعي والاقتصادي. لم نفقد ممتلكاتنا ومملكتنا فحسب، بل لقد فقدنا أيضاً إحساسنا القوي بهويتنا كيهود وعراقيين فخورين، حيث تم إبعادنا إلى هامش المجتمع الإسرائيلي". 

تعليقك

You are replying to: .
captcha